أثار الصحفي ديفيد هالبفينجر من القدس في تقريره لصحيفة النيويورك تايمز تساؤلات حول هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس بعد اندلاع جولة عنف جديدة يوم الأحد، أظهرت مدى صعوبة تثبيت التهدئة، رغم الضغوط الدولية المستمرة.

ذكرت النيويورك تايمز أن الهدوء الذي ساد خلال الأيام العشرة الأولى من الهدنة بدأ يتبدد مع تصاعد التوترات. أطلق مقاومون فلسطينيون صاروخًا موجَّهًا نحو مركبة عسكرية إسرائيلية في رفح، ما أدى إلى مقتل جنديين وإصابة ثالث. اعتبرت إسرائيل الهجوم خرقًا صريحًا للاتفاق، بينما سارعت حماس إلى نفي مسؤوليتها. وردّ الجيش الإسرائيلي على الهجوم بقصف عنيف على مواقع قال إنها تابعة لحماس، ما أدى إلى مقتل 44 فلسطينيًا، بحسب مسؤولين في غزة.

قالت الصحيفة إن إسرائيل أعلنت وقف المساعدات الإنسانية إلى القطاع “إلى أجل غير مسمّى”، لكنها عادت واستأنفتها بعد ساعات، في خطوة فسّرها محللون بأنها نتيجة لضغوط أمريكية مباشرة. وجاء ذلك مع وصول جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، مبعوثي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى تل أبيب لدفع خطة السلام الجديدة. كما أشار نائب الرئيس جيه.دي. فانس إلى احتمال زيارته المنطقة قريبًا.

أشار المحلل الإسرائيلي شيرا إفرون إلى أن واشنطن تمارس تأثيرًا واضحًا في ضبط ردود إسرائيل، مؤكدة أن “ما يبقي الهدنة حيّة هو ثقل الولايات المتحدة والوسطاء”. في المقابل، عبّر وزراء يمينيون في حكومة بنيامين نتنياهو عن استيائهم مما وصفوه بـ“الرضوخ” للبيت الأبيض. كتب الوزير المتشدد إيتمار بن غفير عبر منصة إكس: “كفى انحناءً”.

رأت الصحيفة أن المواجهات الأخيرة تُعد الأعنف منذ دخول الهدنة حيز التنفيذ، إذ سبقتها حوادث متفرقة، بينها قصف إسرائيلي لمركبة مدنية في شمال غزة أسفر عن مقتل تسعة أشخاص، بينهم أطفال. واعتبر محللون أن كلا الطرفين يملك ذرائع لاتهام الآخر بانتهاك الاتفاق.

تحدّث التقرير أيضًا عن الضغوط التي تواجهها حماس من وسطاء مصر وقطر وتركيا لاستكمال تسليم رفات الرهائن الإسرائيليين. بعد تسليم أربع جثامين الأسبوع الماضي، زاد العدد إلى اثنتي عشرة جثة، بحسب مسؤولين أمريكيين. وأعلنت كتائب القسام أنها فقدت الاتصال بمقاتلين في رفح منذ مارس الماضي ولا تعلم ما إذا كانوا أحياءً أو أمواتًا، ما كشف هشاشة قدرتها على ضبط وحداتها الميدانية.

أوضح الخبير الأمني تامير هايمان، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أن غياب الرهائن الأحياء أزال القيود أمام الجيش الإسرائيلي، إذ “أصبح بإمكانه الآن ضرب حماس في أي وقت دون الخوف على مواطنيه”.

أما المحلل ميخائيل ميلشتاين من مركز موشيه ديان بجامعة تل أبيب فرأى أن حماس “تختبر حدود إسرائيل لمعرفة مدى ردها”، معتبرًا أن “الوضع شديد الغموض والهشاشة، وقد يقود خلال الأسابيع المقبلة إلى سلسلة اشتباكات وأزمات مستمرة”.

توقّع التقرير أن التحدي الأكبر لا يتمثل فقط في الحفاظ على وقف النار، بل في تنفيذ خطة ترامب التي تطالب حماس بالتخلي عن سلاحها، وهو شرط يتعارض جذريًا مع عقيدتها القائمة على المقاومة المسلحة. وأشار هايمان إلى أن “عمليات الإعدام التي نفذتها حماس ضد خصومها في غزة تعزز قبضتها وتجعل فكرة نزع سلاحها شبه مستحيلة”.

ورغم ذلك، أشار محللون فلسطينيون، من بينهم محمد العسل من غزة، إلى أن الحركة “تبدو راغبة في الحفاظ على الاتفاق وربما تقديم تنازلات إضافية لتجنب استئناف الحرب”. 


واختتمت الصحيفة تحليلها بالإشارة إلى أن الواقع على الأرض يعكس توازن ضعف لا توازن قوة، فإسرائيل لم تُنهِ وجود حماس. في هذا الفراغ، تبقى الهدنة رهينة الضغوط الدولية والمصالح السياسية، ويظل السلام بعيد المنال في ظل غياب الثقة والعدالة، واستمرار الاحتلال الذي ينسف أي محاولة لوقف النزيف المتكرر في غزة.


https://www.nytimes.com/2025/10/20/world/middleeast/gaza-israel-hamas-cease-fire.html